الخميس، 4 أغسطس 2011

نظرية العلاج بالواقع Reality Therapy Theory

• مقدمة :

انتشر العلاج بالواقع بصورة سريعة بين المرشدين في منتصف الستينات واستخدم في الإرشاد الفردي والجماعي في المؤسسات والمدارس 0 والعلاج بالواقع هو أحد الاتجاهات الجديدة في الإرشاد والعلاج النفسي ، وهو اتجاه يعتمد على الإدراك والتفكير ، ويربط ما بين الاضطراب العقلي والسلوك اللامسؤول 0 حيث يقول صاحب النظرية ( وليام جلاسر ) : " إن السلوك اللامسؤول هو سلوك انهزامي يستدعي إيذاء الذات وإيذاء الآخرين " 0 وتركز هذه النظرية على فكرة أن الإنسان كائن عقلاني ومسؤول شخصيا عن سلوكياته 0 وعندما كان ( جلاسر) يعمل في التعليم كمرشد في الستينات ، طبق مفاهيمه الأساسية للعلاج بالواقع على وسائل التعليم والتعلم 0

• التعريف بصاحب النظرية :

صاحب النظرية هو ( وليام جلاسر ) ، ولد في عام 1925 ، في مدينة كليفيلاند ، في ولاية أوهايو ، بالولايات المتحدة الأمريكية 0 حصل على البكالوريوس في الهندسة الكيماوية ، وعلى درجتي الماجستير والدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي من جامعة Case Western Reserve ، في كليفيلاند ، ثم انتقل إلى جامعة UCLA ، ليقوم بأبحاثه في الطب النفسي 0 وفي آخر سنة من بحثه قضاها في مستشفى إدارة الأطباء المتخصصين في لوس انجلوس وجد أن مريضين قد تخرجا في سنة واحدة ، وهي نسبة ضئيلة جدا ، مما أدى إلى اعتراضه على برنامج العلاج النفسي التقليدي المتبع ، وتكوين آرائه الخاصة حول العلاج الواقعي 0 وقد انتقل عام 1957 إلى كاليفورنيا كرئيس الأطباء النفسيين في مركز للفتيات الجانحات ، وكانت فرصة له لتنفيذ أفكاره حول طريقة العلاج الواقعي 0 وقد لاقت أفكاره نجاحا كبيرا ، إذ كانت النتائج مذهلة ، وغير متوقعة ، حيث أصبحت نسبة التخريج 100% تقريبا خلال أربع سنوات0 وفي عام 1961 نشر ( جلاسر ) الأشكال الأولى للعلاج الواقعي في كتاب ( الصدمة العقلية والمرض العقلي ) ، ثم نقحت المفاهيم الواردة في هذا الكتاب ووسعت ، ثم أعيد طبعها في كتاب ( المعالجة الواقعية ) وذلك في عام 1965 0 وفي عام 1990منحته جامعة سان فرانسيسكو الدكتوراه الفخرية ، وذلك لإسهاماته 0 وفي عام 2003 نال جائزة (ACA) وهي جائزة على مستوى الدولة وتقدم للإسهام العلمي في التطوير المهني ، وذلك نظير إنجازاته في مجال العلاج النفسي 0

• النظرة للإنسان كما تراه نظرية العلاج بالواقع :

يرى ( جلاسر ) أن التعليم السائد يركز على الذاكرة ، وعلى المعرفة بالحقائق ، بينما يقللون من استخدام أساليب حل المشكلات ، والتفكير النقّاد 0 وذلك يعود لثقة ( جلاسر ) بشكل كبير في قدرة الطلاب على تحديد ملائمة خبرتهم التعليمية ، والمساعدة في اتخاذ قرارات جديدة ، كما يرى أن المعلم يسهل العملية التعليمية 0 وبهذا يرى أن كل شخص قادر على توجيه حياته وبوسع الناس إذا اعتمدوا على قراراتهم أكثر من اعتمادهم على مواقفهم أن يحيوا حياة مسؤولة وناجحة 0 ويلخص ( جلاسر ) قوله بالنظرة الإيجابية للناس ، فيقول : " إننا نعتقد أن كل فرد لديه قوة للصحة وللنمو ، وأن الناس في الأساس يريدون أن يكونوا مسرورين ، وأن يحققوا هوية نجاح ، وأن يظهروا سلوكا مسؤولا ، وأن تكون لديهم علاقات شخصية ذات معنى " 0 ( الشناوي ، 1989 ) 0

• المفاهيم الأساسية للنظرية :

تعرف هذه النظرية بـــ (3R) ، وسأفسر سبب تسميتها بهذا الاسم بعد أن يتم تناول مفاهيم النظرية ، وهي كما يلي :

1ـ الواقع Reality : وهو عبارة عن الخبرات الواقعية الشعورية في الحاضر ، بعيدا عن المثالية أو الخيال ، أو الأحلام 0 وأن الفرد السوي هو الذي يتقبل الواقع الذي يعيشه ، بغض النظر عن الظروف المصاحبة 0 وأن إنكار الواقع ــ جزئيا أو كليا ــ يسبب اضطرابا في السلوك 0 ويرى ( جلاسر ) أن من أهداف نظريته هو تدعيم الواقع لدى العميل أو المسترشد0

2ـ المسؤولية Responsibility : وهي مسؤولية الفرد عن إشباع حاجاته 0 وتتمثل هذه الحاجات ، في الحاجات الفسيولوجية ، مثل : الحاجة إلى الأمن ، والحاجة إلى الحب ، والحاجة إلى الاحترام ، والحاجة إلى تقدير الذات 0 والإنسان السوي هو الذي يكون مسؤولا عن إشباع حاجاته ، ويكون مسؤولا عن سلوكه ونتائجه 0 وأن السلوك غير المسؤول ، ونقص القدرة على إشباع الحاجات الأساسية يسبب اضطراب السلوك 0

3ـ الصواب والخطأ Right & Wrong : أي قدرة الإنسان على فعل الصواب ، وتجنب الخطأ ، وذلك حسب ما يمليه عليه الدين ، والقوانين ، والأعراف السائدة في كل مجتمع 0 وهو سلوك معياري ، متى ما احترمه الفرد حقق له حياة اجتماعية ناجحة ، والعكس بالعكس0 ومن خلال العناصر الثلاثة السابقة ، سميت هذه النظرية بــ (3R) ، وهي : Reality + Responsibility+ Right 0

4ـ السلوك Behavior : حيث يرى ( جلاسر ) أن التركيز يجب أن يكون منصبا على السلوك ، أكثر من العواطف ، لأن السلوك هو الذي يمكن تغييره 0 فالعلاج الواقعي ، يعتقد أنه من السهل أن يضبط العملاء ، أو المسترشدين سلوكهم ، من أن يضبطوا مشاعرهم وعواطفهم 0

5ـ الاضطرابات Disorders : يقول ( جلاسر ) إن الاضطرابات تنشأ عند الشخص في حال فشل في تحقيق حاجاته كلها ، أو بعض منها مما يشكل له معاناة قد يخفيها ، وقد يظهرها 0 ودور الإرشاد هنا هو الكشف عن هذه المشكلات ، ومن ثم مساعدة المسترشد على إيجاد حل لها 0

وقد حدد ( جلاسر ) أسباب اضطراب السلوك ، وهي :

1ـ نقص إشباع الحاجات للفرد ، أو فشله في إشباعها 0

2ـ ارتفاع المعايير الأخلاقية للمريض بدرجة غير واقعية 0

3ـ فشل الفرد في القيام بدوره الاجتماعي الموكل إليه 0

4ـ ضعف أو انعدام المسؤولية لدى الفرد ( اللامبالاة ) 0

5ـ إنكار الواقع ، أو فقدان الاتصال بالواقع 0

• تطبيقات النظرية :

تتلخص أهم إجراءات عملية الإرشاد بالواقع فيما يلي :

1ـ إقامة علاقة إرشادية : وأساسها المشاركة ، والاندماج ، والاهتمام ، وكسب ثقة العميل ، ومصادقته 0 وهذا يتطلب المودة ، والدفء ، والتقبل ، والصبر ، في مناخ يسوده الفكاهة ، وإحياء الأمل عند العميل ، وتشجيع العميل على التعبير حول حاجاته التي لم يشبعها 0

2ـ دراسة السلوك الحاضر : ويكون التركيز على السلوك الحالي للعميل ( هنا والآن ) ، وخاصة السلوك غير الواقعي ، وعدم التركيز على الماضي ، مع نظرة مستقبلية تتيح فرصة وضع خطة أفضل للمستقبل 0

3ـ تقييم السلوك الحاضر : أي مواجهة ما هو موجود في الواقع ، وتقييم السلوك الحالي ومدى مسايرته للواقع ، ومدى إشباعه للحاجات ، ومدى مسايرته للمعايير الاجتماعية 0 ويقوم بذلك العميل ، ولا يصدر المرشد أحكاما ، بل يساعد العميل على إصدار أحكام واقعية 0

4ـ التخطيط للسلوك الواقعي المسؤول الصائب : أي وضع خطة تتضمن تحديد احتمالات ، وبدائل السلوك الواقعي ، المسؤول ، الصائب ، المشبع للحاجات 0 ويجب أن تكون الخطة محددة وواضحة ، ومنطقية ، وقابلة للتنفيذ 0

5ـ التعاقد على الالتزام بالخطة : وهنا يتم التعاقد بين الطرفين على الالتزام بالخطة الموضوعة التي تؤكد التزام العميل بتحمل المسؤولية ، لتغيير سلوكه إلى سلوك صائب ، لإشباع حاجاته في ضوء الواقع 0

6ـ تقييم جدية الالتزام : وهنا يتم تقييم جدية الالتزام بالخطة ، وتقييم النتائج السلوكية لتنفيذ الالتزام 0 وعلى العميل أن لا يقدم الأعذار التي تعفيه من مسؤولية تنفيذ الاحترام 0 وعلى المرشد أن لا يتقبل الأعذار 0

7ـ تعليم وتعلم السلوك الملتزم : ويتضمن ذلك إتاحة الخبرات ، وتقديم المعلومات 0 وهنا يتم تعزيز السلوك الملتزم ، وتعزيزه ، وتدعيمه ، وتصحيح الذات عند ارتكاب الأخطاء 0

8ـ المثابرة حتى يتحقق الهدف : يحب المثابرة ، وعدم الاستسلام من جانب الطرفين ، حتى يتحقق الهدف 0 وحتى إذا فشلت الخطة ، وجبت المحاولات مرات عديدة 0

• نقد النظرية :

نظرية العلاج بالواقع لوليام جلاسر فيها من القوة والضعف ، وفي البداية سأذكر جوانب القوة التي تتميز بها نظرية العلاج بالواقع 0

أولا ـ جوانب القوة :

1ـ نظرية العلاج بالواقع ، نظرية سهلة التطبيق ، وتتصف بالمرونة التي تلائم المرشد ، والمسترشد على السواء 0

2ـ يكون الإرشاد فيها متمركزا حول المسترشد ، ودور المرشد هنا مساعد 0

3ـ نظرية العلاج بالواقع لا تنظر إلى ماضي العميل أو المسترشد ، لأن الماضي لا يمكن تغييره في ضوء هذه النظرية 0 وهي في هذه النقطة تخالف نظرية التحليل النفسي التي تهتم بماضي العميل 0

4ـ تتصف نظرية العلاج بالواقع بالجدية في إجراءات تطبيقها مع زرع ثقة العميل بنفسه ، لكي يقوم هو بحل مشكلاته 0

5ـ نظرية العلاج بالواقع ، صالحة كجانب وقائي ، وعلاجي على حد سواء 0

6ـ اعتمادها بصورة رئيسية على المعرفة والحقيقة في الإرشاد 0

7ـ يمكن استخدامها في عدد من الجلسات ومع أعداد مختلفة من الأفراد ، أي في الإرشاد الجمعي 0

8ـ يمكن استخدامها مع جماعات صغيرة أو كبيرة ، كما هو الحال في غرفة الفصل الدراسي 0

9ـ يمكن استخدامها في حل المشاكل التعليمية ابتداء من الروضة ، وحتى المدارس الثانوية 0

10ـ يمكن استخدامها من قبل الآباء والمعلمين خلال وقت قصير وبفاعلية 0

11ـ تعتبر فعالة في معالجة الأفراد الذين صنفوا على أنهم يصعب التعامل معهم ، مثل : الجنوح ، والمنحرفين ، والفصاميين ، والمكتئبين ، والمدمنين على المخدرات ، والصراعات الزوجية ، والذهان ، وفي حالات التوتر 0

ثانيا ـ جوانب الضعف في نظرية العلاج بالواقع :

1ـ صعوبة استخدام العلاج بالواقع مع بعض حالات التخلف العقلي ، وحالات الاجترارية الذاتية في الأطفال Autism ، وكذلك مع حالات الأمراض الذهانية ، وحيث توجد اضطرابات في الجوانب المعرفية 0

2ـ تركز نظرية العلاج بالواقع على السلوك وتقلل أهمية المشاعر وترى أن السلوك هو الأهم في الاهتمام وفي التغيير ، وهذا التركيز يتعارض مع رؤية نظريات نفسية أخرى 0

3ـ لا توجد أساليب محددة يستند إليها المرشد في محاولاته لتغيير السلوك بخلاف مساعدة المسترشد على الوفاء بخطة التغيير 0

4ـ التعارض الذي تشتمل عليه النظرية بين الدور الذي تلعبه المسؤولية ، والدور الذي يلعبه الاندماج في تكوين هوية النجاح ، أو تكوين هوية الفشل 0 فعلى حين ترى أن الاندماج شرط مبدئي للوفاء بالحاجات ، فإنها تقرر أن الفرد لديه القدرة على الوفاء بحاجاته بمسؤولية ، ودون شروط مسبقة 0

5ـ ترى النظرية أنه يمكن توجيه النقد من جانب المسترشد للمرشد ، وإمكانية أن يطرح المرشد مشكلاته على المسترشد لا يتسق مع ما تفرضه معظم النظريات من وجود حدود مهنية بين المرشد والمسترشد ، وضرورة أن تكون العلاقة مهنية 0

6ـ ما أشار إليه ( جلاسر ) على أنه صحيح أو الحق ، لم يحدد لنا معياره ، وإنما تركه للمعايير الأخلاقية التي يراها المرشد ، ولاستبصارات المسترشد بمعايير المجتمع 0 وبهذا فإنها يمكن أن تشتمل على جوانب ذاتية للمرشد قد لا تكون هي الصحيح دائما 0

7ـ المدى الواسع الذي يقرره ( جلاسر) لإمكانيات طريقته في العمل مع عديد من الحالات 0 بينما نجد أن الاستخدامات الحقيقية للإرشاد بالواقع ، أو العلاج بالواقع لا تخرج عن إطار المدارس والمؤسسات الإصلاحية والتعليمية بصفة خاصة 0

8ـ إن ترك الحكم على السلوك للمسترشد وحده قد يستغرق وقتا طويلا ، وربما لا يحدث إطلاقا إذا كانت هناك مشكلات معرفية ( عقلية ) لدى هذا الشخص 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق