الخميس، 4 أغسطس 2011

العلاج الجشطالتي

المقدمة :

• الجشطالت تظهر :

في الوقت الذي كانت فيه السلوكية تظهر في أمريكا ، بدأت طائفة صغيرة من علماء النفس المحدثين في ألمانيا لونا من التفكير ، هو ثورة على تصوراتهم لغاية علم النفس ومنهجه ، وعن ذلك نشأت واحدة من أشد مدارس اليوم قوة 0 ومع أن لها من السن ما للسلوكية ، فإن هذه المدرسة لم تُعرف إلا بالتدرج في الولايات المتحدة الأمريكية 0 ولهذا تبدو لنا أصغر المدارس 0 وقد استخدمت هذه الطائفة كلمة جشطلت صيحة لها ، فسميت مدرسة الجشطلت ، وكلمة جشطلت كلمة ألمانية عامة معناها شكل Shape ، أو صورة Form 0 وغالبا ما تؤدي هذا المعنى كلمة صيغة Pattern ، لأن استعمال علم النفس كلمة Configuration ، قد قصد به مرادفا بالإنجليزية 0 وعلماء النفس الجشطالتيون يسمون أحيانا بفلاسفة الشكل أو الصيغة Configuraionists ( روبرت ودوث ، 1981) 0

• تعريف بصاحب النظرية :

ولد جوزيف بيرلز في برلين عام 1893 من أسرة يهودية فقيرة ، حصل على شهادة الطب العام ، عام 1920 من جامعة فردرك ويلهليم ، ومنح الدكتوراه الفخرية من جامعة لوس إنجلوس عام 1950 0 ولقد أسس معهدا للتحليل النفسي ، واستقر في نيويورك لمدة عشر سنوات 0 وعندما أستلم هتلر مقاليد الحكم في ألمانيا توجه جوزيف بيرلز إلى هولندا ، وبعد عدة سنوات غادرها إلى جنوب أفريقيا حيث أسس معهدا هناك للتحليل النفسي ، ثم غادرها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومكث في نيويورك عشر سنوات ، وقد أسس مع زوجته ( لورا ) معهدا للعلاج النفسي 0 ثم أنتقل إلى كليفورنيا واستقر فيها إلى أن توفي فيها سنة 1970 0 وقد تأثر بيرلز بفرويد وويلهم ريتش وجولدشتاين ، كما أنه تأثر بيونج وأدلر وفنكل وهورني حيث بدأ حياته تحليليا ، وقد اهتم بيرلز بالدوافع وارتكز عليها في العلاج الجشطالتي 0 وكانت الأمور التي ارتكز عليها بيرلز في العلاج الجشطالتي اهتمامه بالدوافع الإنسانية ، حيث استخدم غريزة الجوع بدلا من غريزة الجنس ، واعتبرها الغريزة الأساسية لدى الإنسان 0 ( العزة وآخرون ، 1999 ) 0

• الصورة العامة لنظرية العلاج الجشطالتي :

يلخص ( سيميكين ، 1979) العلاج الجشطالتي فيقول : " العلاج الجشطالتي عبارة عن نظام إدراكي قائم على عدم التفسير ، ومبتعد عن الجانب التاريخي للفرد ( الماضي ) 0 ومحور الاهتمام فيه هو الوعي في ( هنا ، والآن ) وتدار معظم التعاملات بين المعالج والمريض على أساس من ( أنا وأنت ) بدلا من افتراض ( التحويل أو التحويل المضاد ) ويكون التركيز فيه على ما يجري فعلا ( العملية ) فلا عما يمكن أو ما ينبغي أن يكون حادثا ( المحتوى ) 0 ويشجع المريض في تحمل المسؤولية عما يحدث فعلا ، وباتصال المريض مع السلوك يشجعه المعالج على تمثل أو رفض هذا السلوك 0 وبذلك يُجري المساعدة على الاختيار والنمو من خلال التنظيم الذاتي العضوي 0 ويكون التركيز في العلاج الجشطالتي على الوعي المباشر الحالي لخبرة الشخص الذاتية ، ولا يسمح في العلاج بالتفسيرات العقلية المعرفية Cognitive ، للأسباب أو الأغراض ، فهذه يرفضها العلاج الجشطالتي " 0 ( الشناوي ، 1989 ) 0

• العملية العلاجية ( الأهداف العلاجية ) :

لعلاج الجشطالت عدة أهداف مختلفة ، حيث أن الهدف الأساسي هو : تحدي العميل لكي يتحول في اتجاه الحصول على دعم من البيئة ، إلى الحصول على دعم من داخل نفسه 0 فبموجب بيرلز ( 1969 ) أن الهدف العلاجي هو : أن تجعل العميل لا يعتمد على الآخرين ، بل جعله يكتشف في اللحظة الأولى بأنه يمكن أن يعمل أشياء أكثر مما هو يتوقع بأن يعمل يعمل 0 ولوحظ الارتباط بين العلاج العلاج الوجودي الإنساني وعلاج الجشطالت 0 وبيرلز يعتقد بأن الشخص العادي يستخدم جزء بسيط من الطاقة الهائلة التي بداخله ، حيث أن لهذه النظرة ارتباط مع نظرة ( مازلو ) حول الشخص العادي والأمراض النفسية ، وهي أن حياتنا تسير على نموذج وقالب واحد باستمرار ، وإننا لا نحاول الإبداع في عيشنا إلا بطرق قليلة جدا 0 وبيرلز مقتنع بأننا لو عرفنا أنفسنا وأدركنا كاملا قدراتنا وطاقاتنا الإنسانية فعندها يكون لدينا الطريق لكي نجعل حياتنا غنية ، حيث أن هذه الطاقات ترتكز على أساس مواقفنا الحية في كل لحظة من لحظات العيش 0 وبذلك يكون الهدف الأول في العلاج الجشطالتي هو : مساعدة العميل على العيش بعمق 0 والهدف الأساسي لعلاج الجشطالت هو : الحصول على الوعي ، حيث بالوعي نفسه يمكن للفرد أن يرى العلاج ، وبدون وعي فإن العميل لا يمكن أن يحص على الوسائل التي بواسطتها يحدث التغيير الشخصي 0 فبالوعي يمكن أن تتوفر القابلية لمواجهة وقبول الجزء المرفوض في كيان الفرد ، ويكون على صلة بالخبرات الغير موضوعية مع الواقع 0 وبهذا يمكن للعميل أن يصبح وحدة كلية متكاملة ، وعندها يكون العميل على وعي بأن الخبرات التي لم تكتمل ، يمكن أن تنبعث من جديد ويبدأ التعامل معها في العلاج 0 ( جيرالد كوري ، 1985 ) 0

• طبيعة الإنسان عند الجشطالت :

ترى نظرية الجشطالت بأن الإنسان حرّ ويستطيع التخلص من الماضي ، وأن يعيش الحاضر ، وأنه قادر على اتخاذ قرارات مسؤولة في سلوكياته 0 ويرى بيرلز بأن الإنسان مفطور على تحقيق ذاته 0 ويفترض الجشطالت بأن الإنسان يتصف بالصفات التالية :

1ـ الإنسان ( كل ) له جسم وعاطفة وعقل وأفكار وأحاسيس تعمل بشكل متشابك ، كما أنه جزء من البيئة ولا ينفصل عنها 0

2ـ الإنسان ( فاعل ) فالإنسان له دور فاعل وليس له دور الفرد المستجيب فقط 0 كما تراه السلوكية ، فهو يقرر مسؤولياته تجاه المثيرات ، وأن الاستجابات ليست الموجهة له 0

3ـ الإنسان ( واع ) فهو قادر على وعي أحاسيسه وعواطفه ومدركاته 0

4ـ الإنسان ( قادر على الاختيار ) وتكون قدرته على الاختيار من خلال وعيه لذاته ، وهو مسؤول عن سلوكه الخفي والظاهر 0

5ـ الإنسان ( مالك للامكانيات ) فهو يمتلك الامكانيات ومصادر القوة على العيش بفاعلية ، ويمكن أن يستعيد ذاته من خلال خبرته وأفكاره 0

6ـ الإنسان ( ابن لحظته ) يعيش الإنسان لحظته الحالية ( هنا والآن ) وهو يخبر نفسه في الوقت الحاضر ، ويستطيع أن يخبر الماضي والمستقبل الآن كتذكر للماضي ، وكتوقع للمستقبل0

7ـ الإنسان ( حيادي ) فهو لاسيء ولا شرير 0 ( العزة وآخرون ، 1999) 0

• بنية الشخصية عند الجشطالت :

ترى نظرية الجشطالت بأن الشخصية هي نتاج لتفاعل الفرد مع بيئته المدركة ، أي كما يدركها الفرد 0 ومن خلال تفاعل الفرد مع البيئة يحدث النمو 0 ويخاطر الفرد ويجازف محاولا إشباع الحاجات الموجودة لديه ، وذلك عن طريق تكوين مفاهيم كلية عن البيئة 0

ويرى الجشطالت بأن الشخصية تتكون من ثلاثة عناصر ، وهي :

1ـ الذات Self ، وهذا العنصر السوي يساعد على النمو وهو الجانب الخلاّق في الشخصية 0

2ـ صورة الذات Self – Image ، وهي مرضية ومعيقة للنمو تساهم في تكوين مفهوم الذات0

3ـ الوجود Being ، ويقابله عند روجرز العضوية والوجود ، وهو العنصر المهم في العضوية 0 ( العزة وآخرون ، 1999 ) 0

• العلاقة بين المعالج والعميل :

يعتبر الجشطالت جزء من العلاج الوجودي ، ففعالية العلاقة بين المعالج والعميل ، يجب أن تكون شخصية 0 حيث أن خبرات المعالج أو إدراكه ، أو ملاحظاته تكون بمثابة الخلفية في العلاج 0 بينما وعي العميل ، أو استجابته تركب البداية للعملية العلاجية 0 ومن المهم للمعالج أن يشارك بفعالية ملاحظاته الحاضرة ، وكأنه يلتقي مع العميل في الوقت والزمان الحالي 0 والأبعد من ذلك فالمعالج يجب أن يقدم التغذية الراجعة Feed Back ، وبالذات عندما تخرج من جسم العميل 0

ولقد أكد ( بيرلز ، 1969) ، و( بولستر ، 1973) ، و ( كمبلر ، 1973) جميعهم على أهمية شخصية المعالج وليس مجرد اكتسابه الوسائل ، حيث أنه المركب الحيوي في العملية العلاجية0 وقد عارض ( بيرلز ) الناس الذين يستخدمون الأساليب كحيلة قد تعيق نمو العميل ، وتصبح العملية العلاجية زائفة 0 وقد حذر ( بولستر ) من جهل المعالج لنوعية شخصيته كوسيلة في العلاج ، وعندها يصبح مثل صاحب أي حرفة ، وبذا فإنه يشجع المعالج على استخدام مجال واسع في السلوك ، وحذر من الخطر الذي يترتب على استخدام أساليب محددة ، حيث أكد على المعالج في رسم العلاقة مع العميل في أساليبه العلاجية 0 وقد اعتبر ( كمبلر، 1973) العلاقة الفعلية بين العميل والمعالج أنها قلب العملية العلاجية ، وحذر من استخدام الطرق التي ربما تطمس حقيقة العلاج بالنسبة إلى العميل 0 و ( كمبلر ) مقتنع في أن القيام بالأدوار يمكن أن يغري المعالج بإخفاء أجوبته ، وكذلك لعب الدور قد يكون له معنى فعّال ولكن هو ليس النهاية في العلاج 0 وقد أكد كذلك على أن الوسائل في الطالب تكون ذو قيمة لأنها ذو صلة بالعملية العلاجية ، ولكن وضع التأكيد على إجراءات العلاقة بين المعالج والعميل ، لأن هذه العلاقة هي التي سوف تقرر ماذا يحدث بالنسبة إلى الاثنين ، المعالج والعميل 0 ( كوري ، 1985 ) 0

• نظرية الشخصية في العلاج الجشطالتي :

تتكون نظرية الشخصية في العلاج الجشطالتي من مجموعة من المفاهيم التي نحتاج إلى التعرف عليها ، وهي ، المفاهيم التالية :

1ـ التكوين الكلي The Holistic Principle : فقد استعار ( بيرلز ) هذه القاعدة من مدرسة علم نفس الجشطالت ، وبصفة خاصة عن ( ويرثمر ) الذي نقل عن ( بيرلز ) قوله : " هناك كليات لا يتحدد سلوكها بواسطة عناصرها الفردية ، وإنما هذه العمليات الجزئية تتحدد من الطبيعة الضمنية للكل " 0 والإنسان إنما هو كائن متحد يؤدي وظائفه ككل متسق ، وليس هناك الشخص الذي له جسد وعقل وروح ، وإنما الشخص هو كائن كلي يشعر ويفكر ويتصرف 0 وحتى لو أخذنا جانب الانفعالات في الإنسان سنجد لها جانبا عقليا يتصل بالتفكير ، وجانبا سلوكيا ( فسيولوجيا ) وكذلك جانبا من المشاعر 0 والنشاط العقلي يبدو كأنه نشاط للشخص كله ، ولكنه ينفذ في مستوى أدنى من الطاقة عن تلك الأنشطة التي نقول عنها أنها بدنية 0 والجوانب العقلية والجوانب البدنية من سلوك الإنسان ليست وحدات مستقلة يمكن أن توجد مستقلة عن الإنسان ، أو عن بعضها البعض 0 فالجسم والعقل والروح هي جوانب من الكائن ككل 0

2ـ القاعدة الثنائية للتوازن The Dialectic Principle of Homeostasis : حيث تأثر ( بيلز ) في هذا المفهوم بكتابات الفيلسوف ( سيجمون فرايد لاندر ) الذي طور مفهوم التفكير المتمايز ، أو التفكير في متقابلات ( ثنائيات ) 0 وتأتي هذه الثنائيات ( الأقطاب ) نتيجة التمايز عن نقطة الصفر التي تحدد عدم التمايز 0 فكل حادث يرتبط بنقطة صفر يبدأ منها التمايز إلى متقابلات ، وهذه المتقابلات تبدي تجاوبا كبيرا في محيطها تجاه بعضها البعض 0 وإذا بقينا يقظين في المركز يمكننا أن نكتسب قدرة عالية على رؤية كلا الطرفين ( الجانبين ) لأي حدث أو صورة كاملة لنصف غير مكتمل ، وإذا تحاشينا النظر إلى جانب واحد فإن بوسعنا أن نكسب إستبصارا أعمق في بنية ووظيفة الكائن 0

إن التفكير في المتقابلات ( الأقطاب ) هو أمر عميق الرسوخ في الكائن البشري 0 والتمايز إلى متقابلات إنما هو خاصية رئيسية لأدائنا العقلي ، وكذلك للحياة نفسها 0 ويتفرع عن المفهوم العام للمتقابلات ، مفهوم الاتزان والذي يمثل ميل كل كائن للوصول إلى الاتزان 0

3ـ الغرائز : ويرى ( بيرلز ) أن فرويد قد تعرف على غريزة هامة وضرورية للمحافظة على الجنس البشري ، وهي غريزة الجنس 0 ولكنه غفل عن وجود غريزة أخرى ضرورية للمحافظة على الفرد وهي غريزة الجوع 0 كما يرى أن الغرائز العديدة والنوعية يمكن تقسيمها جميعا تحت هاتين الغريزتين الأساسيتين 0 وتمر غريزة الجوع بمراحل ، وهي :

ـ ما قبل الولادة 0

ـ ما قبل ظهور الأسنان ( مرحلة الرضاعة ) 0

ـ مرحلة القضم 0

ـ مرحلة الطحن ( القضم والمضغ ) 0

ويساعد فهم هذه المراحل في جوانبها العادية وغير العادية على فهم السلوك ، وبصورة لا تساعدنا غريزة الجنس على فهمها بوضوح وسهولة 0 وترتبط هذه المراحل بالخصائص النفسية ، حيث ترتبط مرحلة ما قبل ظهور الأسنان بعدم الصبر 0 وترتبط مرحلة القضم بالتدمير والعدوان ، وترتبط مرحلة الطحن بالتمثل 0 ويتماثل تعاقب الجوع وإشباعه مع كل السلوكيات النفسية 0

4ـ العدوان والدفاع Agression and Defense : يمثل العدوان مفهوما هاما في الكتابات المبكرة لبيرلز ، وهو يرى أن العدوان لا يمثل غريزة ولا طاقة رغم أنه وظيفة بيولوجية ، وهو الوسيلة التي يتصل بها الكائن مع بيئته لإشباع حاجاته ، ولمواجهة المقاومة التي تقف في طريق إشباعه لحاجاته ، وليست وظيفة العدوان هي التدمير ، وإنما التغلب على المقاومة 0 وبذلك يمكن استخدامه في الإشباع 0 ويماثل العدوان قضم ومضغ الطعام لإشباع حاجة الجوع ، أو يعتبر استخدام الأسنان أكثر الأمثلة البيولوجية على العدوان 0 ويرى بيرلز أن الجنس البشري يعاني من العدوان الفردي المقموع ، وأن البشر قد أصبحوا منفذين وضحايا لكميات كبيرة من العدوان الجمعي المحرر من داخلهم0 ويعتبر إعادة تكوين الوظيفة البيولوجية للعدوان هي الحل لمشكلة العدوان 0 ويمكن أن يتم ذلك من خلال الإعلاء في صور رياضية عنيفة ، أو أعمال يدوية 0 أما الدفاع فإنه يمثل نشاطا غريزيا للمحافظة على الذات 0 والدفاعات قد تكون آلية ، مثلا ( الأصداف في الحيوانات ، واستخدام الدروع عند الإنسان ) ، أو تكون دينامية ، سواء حركية مثل ( الطيران ) أو إفرازية مثل ( السم عند الثعابين ) أو حسية مثل ( إفراز الروائح ) 0

5ـ الواقع Reality : الواقع الذي يهمنا هو واقع الميول ( الاهتمامات ) ، أي الواقع الداخلي ، وليس الواقع الخارجي 0 وبذلك فإن الواقع يتغير مع تغير الاهتمامات والحاجات لدى الكائن الحي 0 ومن خلال الاهتمامات ( الميول ) والحاجات فإن البيئة تنظم في شكل وخلفية عندما تنشأ هذه الاهتمامات والحاجات حيث يتم إشباعها كما سبق ذكره 0 وثمة جانب هام في هذا التنظيم للبيئة وهو أن الأفراد لا يمكنهم إدراك بيئتهم والاستجابة لها كلها في نفس الوقت 0 ويحدث ذلك بالنسبة لجانب واحد من البيئة ، وهو الشكل ( الذي يكون المقدمة ) ، والذي يتعلق بالاهتمامات والحاجات الجارية 0 وهكذا نرى أن مفهوم بيرلز للواقع هو مفهوم ظواهري 0

6ـ حدود الاتصال ( حزام الاتصال ) The Contact Boundary : إن الكائن والبيئة يوجدان في علاقة متبادلة ، أو علاقة ثنائية ، ويجب أن يعثر الكائن على إشباع لحاجاته في البيئة ، وهو يتحرك نحو العالم ليقوم بهذه الاشباعات من خلال عملية الإحساس للتوجه ، والعلمليات الحركية للتحكم 0 ونقطة التفاعل بين الفرد والبيئة تمثل حدود الاتصال 0 ودراسة أداء الكائن البشري في بيئته إنما هي في الواقع دراسة لما يجري عند حدود الاتصال بين الفرد وبيئته 0 وعند هذه الحدود تأخذ الأحداث الفسيولوجية مجراها 0 وتعتبر أفكارنا وأفعالنا وسلوكنا وعواطفنا هي وسيلتنا لمعايشة ومواجهة هذه الأحداث الخاصة بالحدود 0 والأشياء أو الأشخاص في البيئة التي توفر إشباعا للحاجات تمثل جوانب إيجابية أو تركيزات إيجابية للطاقة النفسية ، بينما تلك التي تعطل أو تهدد الإشباع فإنها تلقي طاقة نفسية سالبة 0 ويبحث الفرد عن الاتصال مع النوع الأول من الأشياء أو الأشخاص على حين ينسحب من النوع الثاني0 وعندما يتم تمثل النوع الأول لكونه ملائما فإن الجشطالت تقفل ( تنتهي ) 0 وكذلك عندما يتم تجنب أو رفض النوع الثاني من الأشياء فإن الجشطالت تقفل أيضا 0 ويكون الفرد في موقف يستطيع فيه أن يركز على حاجة أخرى تبرز إلى المقدمة ( الشكل ) 0 ونحن نعيش بعملية ثنائية من الاتصال والانسحاب مع الأشياء والأشخاص في البيئة من خلال تمييزنا لهم على أنهم يمثلون جوانب إيجابية أو سلبية 0 ويتزود النشاط بطاقة من الاستثارة الأساسية الموروثة في الكائن الحي والتي تتحول إلى انفعالات معينة تبعا للموقف 0 ( الشناوي ، 1989) 0

• تطور السلوك المرضي عند الجشطالت :

ترى نظرية الجشطالت بأن الأفراد الذين يعانون من اضطرابات نفسية يحاولون أن يتجاوزوا نزعة الذات التنظيمية ، وهي نزعة موروثة ، الأمر الذي يؤدي إلى السلوك غير المتكيف 0 والسلوك غير المتكيف يشجع صورة الذات ، وهي صورة مشوهة وغير واقعية عن الذات 0 فالسلوك المرضي هو عملية نكوص متمثلة في الرجوع من الذات إلى صورتها ، ويأخذ النكوص أحد الأشكال التالية :

1ـ الإسقاط Projection : وهو أن يسقط الفرد على الآخرين الأفكار والاتجاهات التي يراها أي ما هو متفق مع صورة الذات 0 أي أن الفرد يُسقط على الآخرين صورة ذاته التي تعيق النمو 0 وهو بهذه الطريقة لا يتعامل بذاته ولكن بصورة ذاته ، الأمر الذي يعيق نموه ، أي أن الفرد لا يرى إلا نفسه ، ولا يرى الآخرين على حقيقتهم ، بل يراهم كما يرى نفسه ، فهو يوجه الإسقاط إلى نفسه 0

2ـ التمثل ( التقمص ) Introjuction : حيث أن الفجوات التي تنتج عن إبعاد أجزاء من الذات عن طريق الإسقاط ، تُستكمل عن طريق التقمص ( التمثل ) أي عن طريق تقمصات خاطئة مبنية على مطالب خارجية 0 فالإسقاط يتعامل مع المطالب الممنوعة ، والتقمص يتعامل مع المطالب المرغوبة ، وهذه تشجع نمو صورة نمو صورة الذات ، وليس نمو الذات الخلاّقة نفسها 0

3ـ الإسقاط المرتد Retroflection : وتحتوي هذه الحالة على الشكلين السابقين معا ، وهما ( الإسقاط والتقمص ) 0 ويحدث ذلك عندما يفشل الإسقاط في تحقيق الغرض المطلوب منه 0 ثم يرتد إلى الذات ويعود بطريقة خفية ومشوهة 0 فالشخص الذي يحتاج إلى دعم من البيئة ولا يجد هذا الدعم ، يحتضن نفسه ، وهذا لا يعني الارتداد إلى صورة الذات ، أي السلوك المرضي 0

• أسباب المشاكل :

يرى أصحاب نظرية أصحاب نظرية الجشطالت بأن أسباب المشاكل تأخذ ستة أشكال وهي ، كما يلي :

1ـ نقص الوعي : ويظهر ذلك في الأفراد الجامدين الذين يلبون مطالب صورة الذات التي تعيق النمو ، وأنهم يفقدون القوة الخلاّقة في التعامل مع البيئة 0

2ـ نقص في تحمل المسؤولية : ويظهر ذلك عند الأفراد الذين لا يقدرون على السيطرة على البيئة ولا يقدرون على السيطرة على أنفسهم 0 ويرى الجشطالت بأن المسؤولية هي قدرة الفرد على الاستجابة بإبداعية نحو البيئة ، وأن الفرد الذي لا يريد تحمل المسؤولية ، لا يريد أن يتخذ قرارا 0 وموقفه دائما موقف الشخص اللائم لغيره 0

3ـ فقدان الاتصال مع البيئة : ويكون ذلك عن طريق أن يرسم الفرد حدودا جامدة لا تسمح بقبول أية مدخلات من البيئة إلى هذه الحدود ، والأفراد الذين لديهم أعراض التوحد ، والمتخشبين هم أمثلة متطرفة على ذلك 0

4ـ الأعمال غير المنتهية : إن الأعمال غير المنتهية تقود إلى سلوك قهري عند الفرد ، أو إلى إنهائه بنفسه وإلى الشعور بالقلق وانهزام الذات 0

5ـ التجزئة أو الضياع : وتتمثل في نكران الفرد لحاجاته ، وبدلا من أن يشبع هذا الشخص حاجاته ، فإنه يميل إلى إنكارها ، وبذلك يفقد قدرته على الإنتاج 0

6ـ تصنيف الذات : إن تصنيف الفرد لنفسه إمّا أنه قوي أو ضعيف هو شكل من أشكال التجزئة والضياع ، وهذا شيء غير عقلاني 0 فالفرد قد يكون قويا أحيانا ، وضعيفا في أحيان أخرى 0 ( العزة ، وآخرون ، 1999) 0

• الأساليب العلاجية عند الجشطالت :

إن الأساليب التي تستخدمها مدرسة الجشطالت هي امتداد للمفاهيم الأساسية السابقة ، وهي وسائل مناسبة لتحقيق الأهداف للعلاج الجشطالتي 0 وهي مساعدة المسترشد على اكتساب الوعي ، واستخدام الأساليب بشكل ماهر وملائم يجعل المعالجة أهم بكثير من استخدام زائد لها يؤدي إلى معالجة زائفة تمنع النمو وأكثر الأساليب المستعملة ، وهي :

1ـ الآن وكيف Now and How : وهنا يشجع المرشد المسترشد على أن يعيش مشكلته الآن ، أي خلال المقابلة ، وليس من الضروري أن يحصل المعالج ( المرشد ) على تاريخ مرضه ، كي لا يسمح للمسترشد أن يتكلم عن باستخدام الأفعال الماضية والذكريات 0 بل يشجعه على التحدث عن مشكلاته الآنية ( الآن ) 0 أما كيف ، فهي تعني كيفية وصف الفرد لمشاعره خلال خبرة معينة 0 والمهم هو شكل وطريقة التعبير ، وليس المحتوى 0 ودور المعالج هو لفت انتباه المسترشد إلى سلوكه وأحاسيسه دون ترجمتها أو تفسيرها 0 وأن ينمي لدى المسترشد الوعي للمواقف غير المنتهية 0 ويحقق المعالج ( المرشد ) شفاء المسترشد من خلال الوعي والإدراك 0

2ـ تحمل المسؤولية : وهو هدف العلاج الجشطالتي ، ودور المعالج هنا هو تشجيع المسترشد على استخدام عبارة لا أريد ، حتى يعتبر نفسه المسؤول عما حدث ، وأن المبادرة بيده 0 وبذلك يدفع المعالج المسترشد على تحمل مسؤولية مشاعره وسلوكه 0

3ـ الكرسي الساخن : يستعمل هذا الأسلوب لرفع حالة الوعي الذاتي لدى الفرد 0 ومن فوائد هذا الأسلوب ، أنه يعمل على زيادة الوعي عند المسترشد لذاته ومشاعره ويشعره باهتمام الآخرين نحوها ، ويهدف إلى تعليمه من خلال المواجهة مع المشاعر الحقيقية 0

4ـ الكرسي الخالي : وهو الأكثر استخداما ، وصمم من أجل مساعدة الفرد على التعامل مع شخص آخر ، أو بين أجزاء من شخصيته 0 حيث يوضع كرسيان متقابلان يمثل أحدهما المسترشد أو أحد أجزائه ، مثل الأنا الأعلى ، أو الأنا الأسفل 0 ويبدأ الحوار بأن ينتقل المسترشد من كرسي لآخر ، وعلى المعالج مراقبة ومعرفة مدى تقدمه في الحوار 0 ويبدي المعالج ملاحظاته ويرشده عندما يجلس على الكرسي ، أو يلفت نظره لما قيل 0

5ـ عمل الجولات : قد يكون عمل الجولات على شكل سؤال شخصي ، مثل : بماذا أنت متأثر ؟ هذا السؤال يساعد المسترشد على الوعي بحالته المزاجية ، ومشاعره وأحاسيسه في هذه اللحظة 0 والهدف من ذلك ، هو أن يكتشف الفرد ذاته ، حيث أن اكتشاف الذات مهمة يركز عليها المعالجون الجشطالتيون 0

6ـ إجراء حوار بين الأنا العليا ، والأنا السفلى 0 وقد أخذه بيرلز من اتجاه التحليل النفسي 0

7ـ التعبير عن مشاعر الاستياء والتقدير : وتهدف هذه الطريقة إلى مساعدة المسترشد في التعبير عن مشاعره التي لم يعبر عنها في جلسات سابقة 0 كما يهدف إلى بيان الجوانب التي يحبها أو يكرهها الآخرون فيه 0

8ـ لغة الجسم : حيث يشدد الجشطالت على استخدام لغة الجسم ، أو التلميحات في مساعدة المسترشد في تعامله مع مشكلته 0

9ـ تحويل الأسئلة إلى جمل : حيث يتم تحويل السؤال إلى جملة خبرية ، مثل : قد يقول مشارك من غير تفكير بأنه يعاني من مشاكل في المدرسة ، لأن الآخرين ينظرون إليه على أنه عبقري0 لأن مشكلة الأسئلة عند الجشطالت أنها تحول دون الاتصال الصادق ، وتعطي رسائل مختلفة وغامضة 0

10ـ المشاركة في الأحاسيس الداخلية : مثل أنا أحس بكذا ، أو أنا أشعر هكذا 0 عندما يطلب من المسترشد عدم تقديم تفسيرات لسلوك الآخرين 0

11ـ الأصالة : حيث يتصرف القائد دون مجاملة أو زيف 0

12ـ الانسحاب : وأهميته تكمن في أنه يشير إلى التنظيم العضوي للفرد 0 فالفرد يقرر فيما هو يريد أو لا يريد الانسحاب أو أن يبقى على اتصال مع أناس آخرين 0

13ـ الدور المعاكس : وذلك لمساعدة المشتركين على فهم السلوك العلني الظاهر 0 فقد يمثل عكس دوافعهم الكامنة 0 وأفضل مثال على ذلك ، أن يُطلب من الشخص الخجول جدا لعب دور عارض في موقف جماعي 0 ( العزة وآخرون ، 1999) 0

• تقويم ونقد نظرية العلاج الجشطالتي :

وجهت إلى نظرية الجشطالت عدد من النقاط التي قد تكون سلبية ، أو مواطن ضعف ، ومن تلك النقاط التي وجهت إليها ، ما يلي :

1ـ تحتاج عملية العلاج الجشطالتي إلى معالج متمرس وخبير بمفاهيم النظرية ودلالاتها ، فيكون خلاّق ومبدع وغير مقلد 0

2ـ دور المعالج كموجه للأسئلة يجعله مصدر قوة ، وهذا يمنع الانسجام بين النظرية والممارسة العلاجية ، حيث تهدف النظرية إلى التلاقي بين المرشد والمسترشد كشخصين متساويين 0

3ـ بعض النتائج يفتعلها المعالج الجشطالتي ، ولا تصدر بتلقائية عن المسترشد 0 وبذلك فلا يستمع المعالج للمسترشد ، بقدر ملاحظة التفاعل اللفظي ، وغير اللفظي في الكرسي الخالي 0

4ـ عدم اهتمام الجشطالت بالعوامل المعرفية في شخصية المسترشد بشكل واسع ، فتركز على المواجهة والتحدي ، مهملة التجربة 0

5ـ استخدام المواجهة بين أعضاء المجموعة الإرشادية تؤدي إلى تجريدهم من إنسانيتهم ، بدلا من الألفة المتوقعة من المواجهة ، وتقود المجموعة إلى افتعال زائف بدلا من التفاعل التلقائي المقصود من المواجهة في المجموعة 0 ( العزة وآخرون ، 1999 ) 0

هناك تعليق واحد:

  1. شكرا على المقال الشيق و المفيد
    يسرنى تشريفكم فى مدونتى "مدونة علم النفس"
    ما هى مدرسة الجشطالت؟

    ردحذف