الخميس، 4 أغسطس 2011

النظرية الثالثة : العلاج المتمركز حول الحل :

مقدمة:

يعتبر هذا الأسلوب العلاجي من أحدث الأساليب العلاجية المختصرة، إذ تعود نشأته إلى أوائل الثمانينات من القرن العشرين على يد مؤسسه Steve de Shazer العالم الأمريكي رئيس مركز العلاج الأسري بمدينة ميلواكي بولاية ويسكنس الأمريكية. وعلى الرغم من حداثة النشأة فإن تطبيقاته العملية وإسهامات الباحثين حول التقنيات التي يقدمها ومدى ملائمتها في التعامل مع الفئات الاجتماعية المختلفة تعتبر دليلاً على انتشاره (Murphy, 1997).

وعلى خلاف الأساليب العلاجية الأخرى، فإن هذا الأسلوب العلاجي لا يستغرق في البحث عن الأعراض المرضية ولا عن العوامل التي ساهمت في نشأتها بقدر ما يتوجه مباشرة إلى الحلول التي تساهم في القضاء على المشكلة أو التخفيف من حدتها أو التكيف مع إفرازاتها. ومن هنا فإنه علاج موجه ومباشر نحو الهدف النهائي الذي يسعى له العميل وهو الوصول إلى التوافق النفسي والاجتماعي مع الذات ومع البيئة المحيطة.

نشأة أساليب العلاج المختصرة:

يشير التراث الأدبي للعلاج النفسي إلى استخدام الممارسين لمجموعة من المسميات المختلفة للعلاج المختصر فنجد البعض يطلق مسمى Short-term Therapy العلاج قصير الأمد وهناك من يطلق مسمى العلاج محدود الوقت Time-limited Therapy. وعلى الرغم من تعدد هذه المسميات إلا أن المحور الذي يدور حوله العلاج المختصر هو تقديم عملية المساعدة بكفاءة وفاعلية في وقت قصير.

ويمكن الإشارة إلى بعض العوامل التي ساهمت في نشأة وتطور وشيوع استخدام العلاج المختصر:

1ـ قلة عدد المختصين في مجال مهن المساعدة الإنسانية وعدم توفر الخبرة الكافية لدى البعض منهم .

2ـ ازدياد حجم ونوعية المشكلات الإنسانية التي يعاني منها الأفراد والجماعات والمجتمعات الإنسانية نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية المتسارعة والتي ساهمت في التأثير على نمط المعيشة وأنماط السلوك الإنساني .

3ـ قلة عدد المؤسسات المجتمعية التي يتم من خلالها تقديم أوجه الرعاية الاجتماعية.

4ـ نمط الحياة المتسارع والذي أصبح سمة هذا العصر فنجد معظم الأفراد ينشغلون بأمور حياتهم إلى الحد الذي لا يتيح لهم الدخول في علاقات علاجية طويلة الأمد وهو ما يميز الأساليب العلاجية التقليدية (Lieberman, 1979).

ويرى كل من (Metcalf, 1995) أن هذه العوامل ساهمت بقدر كبير في نشأة وتطور أساليب العلاج المختصرة في محاولة للتكيف مع التزايد المضطرد في أعداد العملاء وتدني الموارد المادية والبشرية في مقابلة ذلك.

وبالرغم من أهمية العوامل سالفة الذكر في بلورة العلاج المختصر إلا أن هناك عاملاً لا يمكن تجاوزه في هذا الصدد وهو الجانب الاقتصادي المتمثل في دور شركات التأمين الصحي في المجتمعات الغربية وما تمارسه من ضغوط على المؤسسات الاجتماعية والممارسين لتقنين عملية المساعدة وتقليص الإنفاق على جلسات العلاج، بل إن الأمر تعدى ذلك إلى تخصيص عدد محدد من الجلسات على الممارس تقديم عملية المساعدة خلالها.

وتشير معظم المصادر العلمية إلى أن العلاج المختصر ارتبط بعلم النفس الدينامي ونظرية التحليل النفسي لفترة من الزمن وأنه لم ينقل إلا في الستينات من القرن الماضي (Aguilera & Messick, 1986). بيد أن العلاج المختصر يمكن أن يعزى إلى إسهامات Milton Erickson عندما أطلق عبارته الشهيرة:No general Theory, No general Clientلا يوجد نظرية عامة ولا يوجد عميل عام 0

ويشير Murphy (1997) إلى أن إسهامات Erickson كان لها قصب السبق في صياغة أساسيات العلاج المختصر. ويضيف أن عبارة Erickson تتضمن أنه من الصعب الحصول على نظرية واحدة تستطيع تفسير السلوك الإنساني كما أنه من الصعب أن ينظر إلى العملاء نظرة واحدة حتى وإن كانت تبدو مشكلاتهم متشابهة ويرى Garfield (1994) أن العلاج المختصر فعال ومؤثر نتيجة للآتي :

1ـ معظم الأفراد يلجأون لطلب العلاج لمشكلة محددة يواجهونها وليس من أجل الحصول على الاستبصار بتأثيرها فقط.

2ـ معظم من يطلبون المساعدة يتوقعون النتائج العاجلة التي لا تستنزف الوقت والجهد.

ومما يجدر الإشارة إليه في تطور أساليب العلاج المختصر الإسهامات الكبيرة التي قدمها معهد الأبحاث العقلية Mental Research Institute (MRI) في مدينة Palo Alto بولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 1967 ومن أبرز العلماء Bateson و Jackson و Weakland و Watzlawick وغيرهم ويرى (Goldenberg

&Goldenberg, 1985) أن العلاج المختصر هو علاج محدود الوقت يتميز بالواقعية والتركيز على الحاضر والنشاط الموجه والتدرج في الوصول للأهداف.

ويقدم معهد الأبحاث العقلية نموذجاً يوضح كيفية تعامل العميل مع المشكلة التي تواجهه ومدى مساهمة هذه الطريقة في تفاقم المشكلة وازدياد حدثها (شكل رقم 1).

ومن خلال النظر إلى الشكل يمكن ملاحظة أن العميل يدور في دائرة مغلقة من خلال محاولة علاج المشكلة بحلول أثبتت فشلها وساهمت في تفاقم المشكلة. والعلاج لهذا الوضع كما يراه MRI تكمن في كسر هذه الدائرة من خلال التخلي عن الحلول عديمة الفائدة ومحاولة إيجاد حل مختلف.

نشأة العلاج المتمركز حول الحل:

لقد ارتبط العلاج المتمركز حول الحل في بداية الثمانينات من القرن العشرين بالعالم الأمريكي Steve de Shazer وزملاءه في معهد العلاج الأسري المختصر Brief Family Therapy Center بولاية ويسكنسن الأمريكية. والمتتبع لهذا النوع من العلاج يلاحظ أن de Shazer وزملاءه استفادوا كثيراً من إسهامات Milton Erickson من خلال الآتي:-

1ـ التركيز على المستقبل بدلاً من التركيز على الماضي والاستغراق فيه.

2ـ التركيز على الحلول بدلاً من التركيز على المشكلات.

3ـ التركيز على قدرات العميل وإمكانياته بدلاً من التركيز على مواطن الضعف.

وعلى هذا حاول de Shazer (1985) ورفاقه الاهتمام بالجوانب الإيجابية في حياة العملاء واستثمارها إلى أقصى مدى حتى يتمكنوا من التغلب على الصعوبات التي تعوق أدائهم لوظائفهم الاجتماعية والقيام بأدوارهم الاجتماعية (de Shazer, 1985).

ويشير Jeffrey Kottler (1997) إلى أن de Shazer بدأ في ملاحظة التغير الذي يحدث للعملاء بين الجلسات العلاجية من خلال التركيز على الأوقات التي لا تحدث فيها المشكلة أو التي لا يتعرض العميل فيها للضغوط وذلك بحثا منه على الحلول المنشودة. ومن هنا فهو لا يركز على المشكلة ولا على أعراضها بل إنه يعتبر ذلك مضيعة للوقت.

ومثال على ذلك أن المرأة التي تطلب الإرشاد النفسي والاجتماعي نتيجة لسوء معاملة زوجها لها، يمكن أن تحدد بعض الأوقات التي يعاملها زوجها معاملة جيدة حتى وإن كانت تلك الفترات الزمنية قصيرة جداً. ويؤكد de Shazer (1988) أن المشكلة لا تستمر مع العميل طوال الوقت بل إنها تأتي وتذهب تبعاً للمؤثرات والعوامل التي تتسبب في حدوثها.

وخلاصة القول أن نشأة العلاج المتمركز حول الحل – على خلاف غيره من الأساليب العلاجية – رغم حداثتها لاقت صدى كبيراً لدى الممارسين في مجال العلاج النفسي والخدمة الاجتماعية لعدة أسباب يمكن حصرها في الآتي :

1ـ التركيز على المعطيات الحاضرة والتطلع إلى المستقبل.

2ـ استغلال كل ما يحضره العميل للعلاج النفسي وعدم الاستغراق في الماضي.

3ـ أنه علاج مباشر وموجه وفعال.

4ـ سهولة تطبيقه في الواقع الاجتماعي وتدريب الممارسين عليه.

5ـ يتعامل مع مشكلات الحياة اليومية بفاعلية ولا يجهد العملاء أو يستنفذ أوقاتهم في جلسات العلاج الطويلة .

المفاهيم الأساسية:

لقد حاول كل من de Shazer (1987) ، Berg & Miller (1992) أن يحددوا ثلاثة مسلمات يقوم عليها العلاج المتمركز حول الحل هي :

1ـ العملاء هم الذين يحددون أهدافهم العلاجية ولا يجب أن تفرض تلك الأهداف من قبل المعالج النفسي. وعلى هذا يجب أن يكون التركيز منصباً على مساعدة العملاء على الوصول إلى الحلول بدلاً من البحث في العوامل التي ساهمت في تفاقم المشكلة. واتجاه المعالج النفسي نحو ذلك يجعل العميل يتجاوب مع العلاج ويمكنه من استثمار قدراته وإمكانياته.

2ـ "إذا عرفت ما الذي يحقق التغيير فالزمه وساعد العميل على عمل المزيد منه". ومعنى ذلك أن التغيير مهما كان بسيطاً هو الهدف المنشود والوصول إليه وشعور العميل بما يحدثه في حياته هو لب العلاج ويجب أن يستمر العمل من خلاله حتى يتحقق التغيير الكامل وهو زوال المشكلة أو على الأقل الحد من آثارها على العميل.

3ـ "إذا كان العلاج غير فعال ولم يحدث التغيير فلا تعاود محاولته مرة ثانية" ومعنى ذلك أن على المعالج محاولة أسلوب آخر أو حل آخر غير الذي ثبت فشله وفي هذا خروجاً من الاحباطات التي يشعر بها العميل واستثاره لقدراته وإمكانياته في البحث عن حلول أخرى أكثر فاعلية في التصدي لمشكلته.

وبناء على هذه المسلمات يقدم Kottlor (1997) خمسة مفاهيم أساسية يقوم عليها العلاج المتمركز حول الحل وهي :

1ـ أن يتمحور المفهوم الأول في العلاج المتمركز حول الحل حول التركيز على ما يمكن تحقيقه وفقاً لمعطيات شخصية العميل والبيئة المحيطة. وعلى هذا فالممارس تقع عليه مسؤولية توجيه العميل نحو ما يمكن تحقيقه والنجاح فيه بدلاً من ما لا يمكن تحقيقه والفشل فيه. ويشير أنصار هذا العلاج إلى ذلك بمقولة "Solution talk" حديث الحل بدلاً من "Problem talk" حديث المشكلة. ومعنى ذلك أن عملية العلاج يجب أن توجه نحو الحل وكيفية الوصول إليه.

2ـ المفهوم الثاني يدور حول التأكيد على أن كل مشكلة لها استثناءات (هي الأوقات التي لا تظهر فيها المشكلة) يمكن تحويلها والتعامل معها على أنها حلول ممكنة للمشكلة. ويرى مؤسسي هذا النوع من العلاج أن العملاء يعتقدون خطأً أن المشكلات التي يعانون منها ملازمة لهم على الدوام بينما في الواقع تأثير المشكلة لا يستمر قوياً طوال الوقت بل إنه قد يتلاشى ثم يعاود. والمشكلة تكمن في أن العملاء لا يلاحظون تلاشي المشكلة من حياتهم بالقدر الذي يشعرون بتأثيرها متى عاودت. من هنا فملاحظة الممارس لتلك الاستثناءات يعتبر الخطوة الأولى نحو الوصول إلى الحلول الممكنة لمساعدة العميل وتقديم عملية المساعدة.

3ـ المفهوم الثالث الذي يرتكز عليه العلاج المتمركز حول الحل يقوم على فكرة كرة الثلج "Snow ball" بمعنى أن التغيير البسيط في حياة العميل يؤدي إلى نجاح أكبر وصولاً إلى الهدف النهائي وهو التوافق النفسي والاجتماعي.

مثال :

الطالب الذي يعاني من التأخر الدراسي نتيجة لأنه يكره مادة الرياضيات لا يمكن للمرشد الطلابي أن يحقق الهدف النهائي وهو هنا التفوق الدراسي ما لم يسعى في البداية إلى إحداث بعض التغييرات البسيطة في حياة الطالب مثل: حث مدرس الرياضيات على تشجيع الطالب أمام زملاءه، إعطاءه دروساً خصوصية في أوقات الفراغ بين الحصص الدراسية، إدماج الطالب في مجموعة صغيرة مع بعض الطلاب المتفوقين في مادة الرياضيات. مثل هذه التغييرات الصغيرة تؤدي إلى تغيير أكبر في حياة الطالب.

4ـ المفهوم الرابع يدور حول أهمية الاعتراف بأن لكل عميل قدرات (Strengths) يستطيع استخدامها للتغلب على ما يواجهه من صعوبات. وعلى هذا يجب على الممارس أن يعطي اهتماماً كبيراً نحو اكتشاف قدرات العميل وتجنب التركيز على مواطن الضعف فيه.

إن التركيز على القدرات يزيد من ثقة العميل بنفسه ومن قدرته على الاعتماد عليها فترتفع روحه المعنوية ويكبر الأمل والتفاؤل داخله ويصبح متطلعاً للمستقبل ومتخلصاً من آثار الماضي.

5ـ يدور هذا المفهوم حول ضرورة صياغة أهداف العميل بصورة إيجابية Positive goals بدلاً من صياغتها بصورة سلبية Negative goals لأن هناك فرقاً شاسعاً بين النظر إلى نصف الكوب المليء بالماء وبين النظر إلى نصف الكوب الفارغ من الماء.

إن الطريقة التي ينظر بها الإنسان إلى الأشياء هي التي توجه إمكاناته وقدراته وهي بمثابة الوقود الذي يتزود منه الإنسان بالطاقة.

ومن هنا كان على الممارس أن يساعد العميل على صياغة أهدافه بطريقة إيجابية من خلال سؤاله عما يود فعله وليس ما لا يود فعله. وهذا لأن العملاء يكتسبون القوة من خلال إنجاز الأهداف التي وضعوها لحل مشكلاتهم التي يواجهونها.

العلاقة بين الأخصائي الاجتماعي والعميل:

يقوم الأخصائي الاجتماعي المستخدم لأسلوب العلاج المتمركز حول الحل بدور فاعل ونشيط ويبذل جهداً أكبر مقارنة بالأساليب العلاجية الأخرى. ويتمحور الدور الأكبر للأخصائي الاجتماعي حول مساعدة العميل في تحديد الأهداف العلاجية والمحافظة على تركيزه في إنجاز تلك الأهداف (O'Hanlon & Weiner-Davis, 1995).

ومن المهارات التي يجب على المعالج أن يكتسبها في علاقته مع العملاء ما يلي:-

1ـ التعاطف والمشاركة الوجدانية (empathy) وفيها يظهر اهتمام المعالج بالعميل من خلال فهمه لمشكلته وتقديره لمشاعره والمعاناة التي يشعر بها.

مثال:

الأخصائي: أقدر مشاعر الألم التي تشعر بها الآن وأعلم مقدار المعاناة التي تمر بها.

2ـ الاستعداد لمناقشة كل شيء وأي شيء يود العميل مناقشته Readiness to discuss everything ولكن هذا الأمر لا يعني بالضرورة أن المعالج يستطيع أن يعالج كل مشكلات العميل أو أن لديه إجابة لكل سؤال أو استفسار يطرحه العميل بل يعني أن المعالج لديه استعداد لبذل الجهد في محاولة مساعدة العميل.

3ـ الهدوء ورباطة الجأش (Composure) وتعني أن يكون المعالج مرتاحاً من علاقته بالعميل بغض النظر عن اعتقاداته وآراءه الشخصية وبغض النظر عن الفوارق الاجتماعية أو الاقتصادية. فالعميل في نهاية المطاف إنسان يجب احترامه والاهتمام به. والهدوء هنا يجعل المعالج قادراً على التركيز في كل ما يقوله أو يشعر به العميل.

4ـ التشجيع (encouragement) وهو الإيمان الكامل بأن لكل عميل قدرات وإمكانيات يستطيع استثمارها إلى أقصى حد من أجل التغلب على المشكلات التي تعوق تكيفه النفسي والاجتماعي. وقيام الأخصائي الاجتماعي بتشجيع العميل على تحمل المسؤولية يكسب الأخير الثقة بذاته وبقدراته كما أن ذلك يسهل عملية تقديم المساعدة.

5ـ الهدفية (Purposefulness) وتعني أن يكون الأخصائي الاجتماعي هادفاً في عمله فلكل نشاط يقوم به هدف وغاية يسعى إلى تحقيقها وتخدم مصالح عملاءه. كما يجب عليه أن يسعى إلى توضيح ذلك للعملاء الذين يتعامل معهم. وكلما كانت تلك الأهداف واضحة لدى الأخصائي والعميل كلما كان ذلك أدعى لأن تصبح عملية المساعدة أكثر كفاءة وفاعلية.

وعلى هذا فالعلاقة المهنية بين كل من الأخصائي الاجتماعي والعميل هي علاقة تبادلية (Reciprocal) بمعنى أن الأخصائي الاجتماعي لا يفرض على العميل أهدافاً محددة ويجبره على تبنيها كما أن العميل ينظر إلى الأخصائي الاجتماعي كشخص مقبول ومتفهم ويمكن الاعتماد عليه (Aguilera & Messick, 1986). وهذا النوع من العلاقة مهم لإنجاز الأهداف العلاجية وإتمام عملية التدخل المهني .

ويمكن لنا أن ننظر إلى طبيعة العلاقة المهنية التي تربط الأخصائي الاجتماعي بالعميل في العلاج المتمركز حول الحل من خلال معرفة طبيعة العملاء.

ويقدم كل من Fisch et al (1982) و de Shazer (1988) تصنيفا للعملاء يقسمهم إلى ثلاثة أنواع :

1ـ العميل الزائر (Visitor) وهو العميل الذي لا يرغب في العلاج ولا يفعل شيئاً تجاه المشكلة التي يعاني منها. ومثال ذلك الطالب الذي يرغم على مقابلة المرشد الطلابي من قبل مدير المدرسة.

2ـ العميل كثير الشكوى (Complainant) وهو العميل الذي يعترف بوجود المشكلة وتأثيرها عليه ولكنه لا يرغب في عمل أي شيء لمواجهتها أو التصدي لها.

3ـ العميل الزبون (Customer) وهو العميل الذي يعترف بوجود المشكلة ويرغب في حلها ولديه الاستعداد الكامل للتعاون مع الأخصائي الاجتماعي في حلها.

والسؤال المهني الذي يفرض نفسه هنا هو كيف تواجه كل نوعية من العملاء باستخدام العلاج المتمركز حول الحل ؟ وللإجابة على هذا السؤال يطرح Murphy (1997) عدداً من المهارات التي يمكن أن تساعد الأخصائي الاجتماعي .

نوع العميل الوصف المهارات : العميل الزائر - لا يدرك المشكلة ويراها مرتبطة بشخص آخر.

أ ـ يأتي إلى العلاج مرغماً.

ب ـ ليس لديه التزام في العملية العلاجية. - الامتناع عن الاقتراحات التي تتضمن أفعال.

ج ـ تقدير الموقف ووجهة النظر التي يتبناها العميل.

د ـ مدح الجوانب الإيجابية في موقفه.

هـ ـ نقاش العميل في المشكلة والأهداف بطريقة ذات معنى.

و ـ ناقش مع العميل مواضيع محببة مثل هواياته.

العميل كثير الشكوى - يعترف بالمشكلة وتأثيرها ولكن لا يرغب في المساعدة على حلها.

أ ـ يرى نفسه عاجزاً عن حل مشاكله.

ب ـ يرى أن مسؤولية حل مشاكله تقع على غيره. - الامتناع عن الاقتراحات التي تتضمن أفعال.

ج ـ استمع وقدم المديح.

د ـ قدم أسئلة وتوجيهات بأسلوب غير مباشر.

هـ حاول مع العميل الوصول إلى حلول عن طريق الوصف الذهني.

وـ أجعل العميل يتأمل في واقعه ويلاحظ الأحداث التي تدور حوله.

العميل الزبون - يعترف بوجود المشكلة ويرغب في حلها.

أ ـ عنصر فاعل في عملية المساعدة .

ب ـ اقترح مهام تتضمن أفعال.

ج ـ اكتشف واستخدم الأفكار التي يحضرها العميل معه أثناء المقابلة.

د ـ الاتصال بالعميل وإطلاعه على التقدم الذي حصل.

هـ ـ حاول أن تجعل العميل متصلاً بعملية المساعدة ومشاركا في كل مهامها.

تكنيكات العلاج:

إن التكنيكات التي يقدمها المتمركز حول الحل هي وسائل تعتمد بدرجة كبيرة على مهارة الأخصائي الاجتماعي وعلى مدى استجابة العميل أثناء عملية المساعدة. ومع عرضنا لهذه التكنيكات يظل هناك تساؤلاً حول مدى ملائمة تطبيقها في المجتمعات العربية حيث أنها نشأت وتطورت وتم تطبيقها فأثبتت فاعلية في المجتمعات الغربية. وهذا لأن المشكلات الإنسانية وإن تشابهت الأسماء يظل التراث الثقافي والاجتماعي عاملاً مؤثراً في الجانب التطبيقي فلكل مجتمع خصوصيته الثقافية والاجتماعية.

ومن هذه التكنيكات ما يلي :

1ـ إعادة التشكيل (Reframing) : وهو أسلوب يستخدم من أجل مساعدة العملاء على تفهم مواقفهم وصياغة أهداف العميل العلاجية.

مثال:

الطالب : لا أريد أن يوقفني المعلم أمام التلاميذ لأنني لم أقم بحل الواجب؟ (هدف سلبي).

هذا الطالب صاغ هدفه بطريقة سلبية تجعله لا يتقدم في العملية العلاجية والسبب أنه ربط الإيقاف في الفصل بعملية أنه لم يقم بحل الواجب. وهنا على الأخصائي أن يساعد الطالب في تغيير هذا الهدف السلبي إلى هدف إيجابي كالآتي:-

الأخصائي: كيف يمكن للمعلم أن لا يوقفك أمام التلاميذ ؟

الطــالب : إذا قمت بحل الواجب فإن المعلم لن يوقفني أمام التلاميذ.

2ـ السؤال المعجزة (Miracle Question) : أن الهدف الرئيسي من هذا التكنيك هو البحث عن الاستثناءات التي يمكن أن تقود العميل إلى عملية المساعدة. ولقد قدم de Shazer (1988) صيغة لهذا التكنيك كما يلي :

الأخصائي : تخيل أنك قمت من النوم في الصباح وقد انتهت المشكلة التي تواجهك. ما الذي يمكن أن يتغير في حياتك ؟

من خلال إجابة العميل حول هذا الافتراض يمكن للأخصائي الاجتماعي أن يبحث عن الحلول وفقاً لما يراها العميل ثم يقوم بمناقشة العميل حول إمكانية تطبيق تلك الحلول .

ولعل من الأمور التي تؤكد ضرورة تعديل الأساليب العلاجية بما يتوافق مع البيئة الإسلامية هو تعديل بعض المسميات المرتبطة بتلك الأساليب والتكنيكات العلاجية مثل السؤال المعجزة لعدم توافق ذلك مع المعطيات الإسلامية واقترح أن يسمى سؤال الحلم (Dream Question) فإن ذلك أدعى للقبول لدى الأفراد في المجتمعات الإسلامية.

3ـ أسئلة " ماذا بعد ؟ " (What else questions) : إن الهدف من هذه الأسئلة هو زيادة وتعزيز فرصة العملاء في أن يجدوا الحلول الممكنة للمشكلات التي يواجهونها.

مثال:

العمــيل: أريد أن أتخلص من كل المشكلات التي أعاني منها.

الأخصائي: ماذا بعد أن تتخلص من كل المشكلات، ما الذي يمكن أن يتغير في حياتك؟

4ـ خريطة العقل (Mind mapping) : إن هذا التكنيك العلاجي ما هو إلا رسم خريطة للأفكار التي تقود وتوجه العملاء وتصبغ سلوكهم ومشاعرهم. ولكي يستخدمه الأخصائي الاجتماعي فإن عليه أن يقوم باستدعاء سلوك العميل الإيجابي مهما كان صغيراً وتعزيز ذلك السلوك في حياة العميل ومطالبته بعمل المزيد منه. هذا السلوك سوف يعمل بمثابة الخارطة التي سوف تقود العميل وترشده إلى الوصول إلى النجاح في العملية العلاجية وفيما يحقق أهدافها.

5ـ توجيه النجاح (Cheer Leading) : يعرف Kottler (1997) هذا التكنيك بأنه مساندة وتشجيع نجاح العميل من خلال إسماع العميل كلمات المدح والثناء. فالعملاء يحبون من يثني على ما يقدمون أو ما يقومون به من أفعال. وذلك إن حدث يمنحهم الثقة بالنفس ويعتبر بمثابة الوقود الذي يدفعهم للمشاركة الفاعلة في عملية المساعدة.

ويمكن للأخصائي أن يظهر هذا التكنيك من خلال:

1ـ رفع مستوى الصدق أثناء الحوار ليري العميل كيف أن عملية المساعدة تتقدم.

2ـ التعبير للعميل عن السرور عندما يقوم العميل بمحاولة جادة للوصول إلى حل للمشكلة.

3ـ إظهار الإعجاب بما يقدمه العميل من تفكير بناء ورشيد وناضج في المشكلة التي يواجهها.

مثال :

1) الأخصائي : حقيقة فعلت ذلك !!

2) الأخصائي : أنا بالفعل معجب بما قمت به !!

3) الأخصائي : ما قمت به يستحق التقدير والاحترام !!

6ـ المقياس (Scaling) : هذا التكنيك يهدف إلى مراقبة التحسن الذي يطرأ على الحالة من مقابلة إلى أخرى أثناء العملية العلاجية، ويتم ذلك من خلال الطلب من العميل أن يحدد على مقياس يبدأ من صفر إلى 10 بحيث أن الصفر يعني أنه لا يوجد تقدم أو تحسن في حل المشكلة بينما يعني رقم 10 أن المشكلة تماماً انتهت وتم التوصل إلى حل لها. وعندما يختار العميل رقماً بين طرفي المقياس يقوم الأخصائي الاجتماعي بسؤاله عن سبب اختيار الرقم وعن مقدار التحسن الذي طرأ على الحالة.

فمثلاً عندما يختار العميل في المقابلة الأولى صفر وفي المقابلة الثانية يختار الرقم 4 يتم مساءلة العميل عما حدث من تقدم وما هي الأفعال والمهام التي قام بها في مواجهة المشكلة التي يعاني منها. ثم عندما يذكر العميل بعضاً من تلك الأفعال التي ساهمت في عملية التغيير يطالبه الأخصائي بالاستمرار في فعل ذلك حتى تستمر حالة التغيير وصولاً إلى الأهداف العلاجية.

تقييم العلاج المتمركز حول الحل :

على الرغم من النجاحات المتوالية التي تزخر بها أدبيات العلاج النفسي حول كفاءة وفاعلية العلاج المتمركز حول الحل في التعامل مع المشكلات الإنسانية في مجالات التربية والصحة العقلية والانحراف السلوكي وسوء التوافق الأسري، إلا أن تعميم تلك النجاحات في المجتمعات الإنساني ومع مختلف الثقافات لا يزال أمرا يحتاج إلى الكثير من البحوث الإمبيريقية.

وما من شك أن العلاج المتمركز حول الحل علاج فعال وموجه نحو الحلول دون الاستغراق في ملاحظة الأعراض والاستغراق في البحث عن العوامل وايجاد التفسيرات المنطقية لأنماط السلوك. بيد أن المشكلات الإنسانية ليست دائما متماثلة أو متطابقة، كما وأن العملاء يتمايزون في قدراتهم الذاتية ويختلفون في بيئاتهم.

ومن هنا يتوجه النقد إلى العلاج المتمركز حول الحل في كونه أسلوبا علاجيا تفاؤليا إلى حد المبالغة. فهو ينظر إلى العميل على أنه يملك من القدرات والإمكانيات ما يؤهله للتغلب على الصعوبات التي تواجهه. وفي هذا نوع من التفاؤل المفرط فالعملاء ليسوا في مستوى واحد من القدرات الصحية والنفسية والاجتماعية وبالتالي فمن المنطقي أن يختلفوا في مستوى استجاباتهم وردود أفعالهم.

ومن النقد الذي يوجه أيضا لهذا الأسلوب العلاجي أنه يعتمد كثيرا على البحث عن الاستثناءات (الأوقات التي لا تظهر فيها المشكلة) ودفع العميل نحو ملاحظتها وإدامة فتراتها. وفي هذا هروب من مواجهة المشكلة ومحاولة للتوافق معها ومع تأثيراتها كما وأن ذلك يجعل العميل يقف موقفا سلبيا منها.

وما يهمنا في هذا المقام هو مدى ملائمة هذا النوع من العلاج في مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي تتميز بخصوصيتها الثقافية والدينية. وهذا الأمر من الصعوبة الخوض فيه، حيث أنه يحتاج إلى المزيد من الأبحاث التطبيقية والممارسة المهنية 0

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق