الخميس، 4 أغسطس 2011

العلاج المعرفي عند ريمي ( فرض التصور الخاطئ )

المطلع على نظريات علم النفس ، سيجدها كثيرة ومتنوعة ، وهناك علماء كثيرين ، كل عالم في نظرية معينة ، وضع لها القوانين ، والإجراءات ، وكل صاحب نظرية ستجده يدرس السلوك ويصفه ، ويفسره 00 إن مفهوم التصور الخاطئ الذي اعتمده ( ريمي ) هو من المفاهيم التي يمكن أن يعتقدها الكثير من الناس دون علم أو معرفة بذلك 00 لذا فإني سأقدم للمرشد وللمعالج وللقارئ ، هنا هذه النظرية ، كي يستفيد ، ولا يقف عند هذا ، وعليه أن يبحث وينقب بشكل أكثر حتى يجد ما يريد ، ويحصل على الهدف الذي ينير الطريق ، نحو استفادة من خلالها يساعد المسترشدين 0

أولا ـ التعريف بصاحب النظرية :

هو ( فيكتور شارلس ريمي Victor Charles Raimy ) من مواليد الولايات المتحدة الأمريكية عام 1913م 0 حصل على درجة البكالوريوس من كلية ( أنتيوك ) كما حصل على درجة الدكتوراه من جامعة ولاية أوهايو عام 1943م 0وقد كان موضوع رسالة الدكتوراه ( مفهوم الذات كعامل في الإرشاد وتنظيم الشخصية ) 0 وقد عمل بالتدريس في جامعة ولاية أوهايو ، وبتسبرج حتى وصل إلى درجة الأستاذية ، حيث رأس قسم علم النفس بجامعة كلورادو ، ومنذ عام 1978 ، تفرغ ( ريمي ) للممارسة العلاجية في هونولولو 0 كما أنه عضو نشط بشعب علم النفس الإكلينيكي ، وعلم النفس الإرشادي ، والعلاج النفسي بالجمعية الأمريكية لعلم النفس 0 تتلمذ ( ريمي ) على يد ( كارل روجرز ) مؤسس نظرية العلاج المتمركز حول العميل 0 و ( ريمي ) ينتمي إلى أنصار النظرية المعرفية ، وخاصة فيما يتعلق بمفهوم الذات Self-Fulfillment ، وهذا هو الاتجاه السائد للكثيرين من العلماء ، خلال السنوات الأخيرة 0 ولعل تتلمذ ( ريمي ) على يد ( كارل روجرز ) كان السبب وراء نجاحه فيما يتعلق بمفهوم الذات ، فنظرية ( كارل روجرز ) تعد من أكمل النظريات لدعمه افتراضاته بالكثير من الأسانيد التجريبية 0

وهنا يتضح لنا أثر البيئة على حياة العلماء ، ومستوى عطائهم 0 بيئة هذا العالم ( ريمي ) كغيره من العلماء الذين كان للبيئة الدور الكبير ، والمؤثر في نشأته نشأة علمية منظمة ، فيها الكثير من الإثارة يتوفر بها كل وسائل وأدوات البحث ، والحرية الفكرية المشجعة على الإجابة على الكثير من التساؤلات التي يمر بها الفرد في حياته العلمية والعملية 0

• أسس النظرية :

تقوم نظرية ( ريمي ) في العلاج المعرفي ، على مفهوم الذات ، وخاصة فيما يتعلق بالجانب التطبيقي ، وتحديد الجانب المعرفي فهو ــ كما يؤكد ريمي ــ الجزء المؤثر على الفرد 0

ولكي يفهم ماذا يعني مصطلح الذات ، فقد أشار ( زهران ، 1982) بقوله : " يمكن تعريف الذات بأنه تكوين معرفي منظم ومتعلم للمدركات الشعورية والتصورات والتقويمات الخاصة بالذات ، يبلوره الفرد ، ويعتبره تعريفا نفسيت لذاته 0 ويتكون مفهوم الذات من أفكار الفرد الذاتية المنسقة المحددة الأبعاد عن العناصر المختلفة لكينونته الداخلية أو الخارجية 0 وتشمل هذه العناصر المدركات والتصورات التي تحدد خصائص الذات ، كما تنعكس إجرائيا في وصف الفرد لذاته كما هو ( مفهوم الذات المدرك ) 0 والمدركات والتصورات التي تحدد الصورة التي يعتقد أن الآخرين في المجتمع يتصورونها والتي يتمثلها الفرد من خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين " 0

من هذا يتضح أن الانطباعات والمعتقدات والاقتناعات المنظمة التي تشكل معرفة الفرد عن نفسه والتي تؤثر على علاقته بالآخرين ، وقد تكون سببا هاما ومؤثرا في عملية التوافق لدى الفرد أو عدم التوافق ، وبالتالي فهي تصورات خاطئة لها أثرها في الذات 0

وأشار ( الشناوي ، 1994) بقوله : " يعتبر خطأ التصور عن الذات هو الأكثر أهمية ، والعلاج القائم على فرض التصور أو المفهوم الخاطئ يركز على دور المعتقدات الخاطئة المحدودة والراسخة في العلاج عوضا عما تصفه تلك النظريات الخاصة بالذات ، والتي تعتبر غير كاملة ومشوشة 0 وهذه الطريقة ، طريقة التصور أو المفهوم الخاطئ ليست جديدة تماما ، بل هي في الواقع تعتبر أقدم طرق العلاج النفسي ، فهي جوهر نظرية ( آدلر ) والنظرية الإدراكية لـ ( كومبس ، وسينج ) وكذلك هي لب نظرية ( إليس ) وكما ترى بعض الأعمال ، مثل : ( جانيت ، وبروير ، وسوليفان )0

• مسلمات النظرية :

تقوم نظرية ( ريمي ) على عدة مسلمات تساهم في تفسير سلوك الإنسان ، واضطرابه ، وكذلك في نظرته للآخرين 0 ومن هذه المسلمات ، ما يلي :

1ـ تتكون الذات بشكل أو بآخر من المعتقدات والاقتناعات المنظمة التي تقوم بشكل أو بآخر في مساعدة الفرد لكي يتعرف على نفسه ، وهي بالتالي قد تؤثر على علاقته بالآخرين 0

2ـ أن سبب المشكلة في كثير من الأحيان هي الذات ، أما فيما يتعلق بالعالم والآخرين فليس هناك مشكلة 0

3ـ الذات لها جانب تطبيقي يمكن أن يستفاد منه في العلاج النفسي 0

4ـ أن التصورات الخاطئة تحدد نوع السلوك لدى الفرد ، وقد تدفعه إلى سلوك غير متعقل ، وبالتالي يؤدي ذلك بالفرد إلى انهزام مستمر 0

5ـ أن المعتقدات حول الآخرين التي لا تشتمل على إشارة للذات تعتبر مهمة في التوافق 0

6ـ عندما يتم تصحيح التصورات الخاطئة عن الذات وتعديلها ، فإن ذلك يؤدي إلى عملية الصحة النفسية ، أو التوافق لدى الفرد ، وينتج العلاج 0

7ـ من الأساليب الكثيرة للكشف عن التصورات الخاطئة ، أسلوب المقابلة ، وتمحيص الذات من جانب المسترشد ، وكذلك الطرق التي يستخدمها المعالجون في الأنظمة الأخرى للعلاج 0

8ـ إن المراجعة المعرفية المتكررة من جانب المسترشد تؤدي إلى تعديل أو إلغاء التصورات الخاطئة ، والتي تعتبر عنصرا في كل العلاجات 0

9ـ إن الإستبصار هو اعتراف المسترشد بأن لديه تصورا خاطئا أو أكثر ، وأن عدد وأنواع استبصارات المسترشدين تعطي مقياسا عن تقدم ونجاح العلاج 0

• المفاهيم الأساسية للنظرية :

تقوم نظرية ( ريمي ) على فرض التصور الخاطئMisconeptions ، حيث يقرر (ريمي ) أن الاضطرابات النفسية هي نتيجة المعتقدات ، أو الاقتناعات الخاطئة ( أي التصورات أو المفاهيم الخاطئة ) 0 والهدف من العلاج هو تغيير التصورات الخاطئة لدى المسترشد 0 وتصحيح هذه التصورات أو تعديلها يؤدي إلى تحسن عملية التوافق 0 وهذه النظرية لا تحدد طريقة كما لا تقتصر على أي طرق خاصة 0 لكنها تعترف بأن تغيير التصور الخاطئ ، والذي يبدو من المسترشد ، والمتصل بمشكلاته النفسية فإنه من المتوقع أن تزول جوانب سوء التوافق لديه 0 وهذا يبين أن الكثير من النظريات الحديثة قامت على نظريات سابقة ، فما ذكره ( ريمي ) في هذا النموذج العلاجي المعرفي ، قد سبقه وتحدث به البعض حتى وإن اختلفت الصياغة ، فالمفهوم واحد ، ويتحقق به غرض واحد 0 فما ذكره ( ريمي ) قد ذكره ( ألبرت إليس ) وغيره من المعالجين 0

ويشير ( إبراهيم ، 1994) إلى أن الحقبة الأخيرة من النمو في علم النفس قد شهدت ما يشبه مراجعة النفس فيما يتعلق بحقيقة مواقفهم من مفاهيم تعوق خطى نموهم ، فبدأنا نشهد رفضا للتصورات السالبة عند الإنسان 0 وبدأ التأكيد على أن هناك حاجات في داخل كل شخص تدفعه إلى الارتقاء وتحقيق الذات والتغيير من خصال شخصية بأفعال مقصودة 0 ويستخدم المعالجون المعاصرون الوعي والاستبصار في العلاج ، ولكن بطريقة أخرى 0 وهنا نقول أن الشخص يكون لديه استبصار بمشكلاته عندما يكون مدركا إدراكا دقيقا للشروط السابقة ، والنتائج أو الاستجابات البيئية التي يثيرها ظهور هذا المشكلة 0

ويظهر أن ( ريمي ) أتجه في دراسته هذه نحو الاتجاه الإنساني لتأثره بنظرية الذات 0 ولذلك نجد كل مفهوم لديه بدايته بالذات ، وكأنه لاحظ أنه يجب أن يرى أثر المعتقدات في الذات ، وماذا تفعل به 0 ويرى أن ذلك هو السبب في الاضطراب 0

• أسباب الاضطرابات النفسية القائمة على فرض التصور الخاطئ عند ( ريمي ) :

1ـ يرى ( ريمي ) أن الاضكرابات النفسية تنشأ نتيجة للمعتقدات أو القناعات الخاطئة 0 وعندما يتم تصحيحها وتعديلها فإن ذلك يؤدي إلى عملية الصحة النفسية ، وتزول الاضطرابات لدى الفرد 0

2ـ يرى ( ريمي ) أن التصورات الخاطئة حول الذات تلعب دورا كبيرا في تحديد أنواع السلوك الذي يرغب فيه الفرد ، وأنها قد تدفع الفرد إلى سلوك غير متعقل ، وبالتالي يحدث لديه انهزام مستمر 0

3ـ إن تصحيح التصورات الخاطئة يصبح عادة ، عن طريق الخبرة أو التدريب أو العلاج 0 ومثال ذلك : المسترشد يقول : أنا على غير وفاق مع شخص ما ، ولكن حينما تعاملت معه وجدته طيبا 0 وهنا لعبت الخبرة دورا في تصحيح هذا التصور المتعلق بالآخرين 0 أما فيما يتعلق بالتصورات الخاطئة حول الذات ، فإنها تمتنع عن طريق التدريب أو الممارسة أو الخبرة وهذا ما أطلق عليه ( المتناقضة العصبية ) 0

4ـ يذكر ( ريمي ) أن هذه المتناقضة العصبية والمسؤول عنها هو الوعي الشعوري ، حيث يقوم بتكوين ميكانزمات دفاعية ، يطلق عليها التصورات الدفاعية الخاطئة ، والتي تؤدي إلى كون الفرد محجوبا عن أن يعرف يعرف المعتقدات الخاطئة لديه ، وبالتالي تصحيحها 0 وهذا ما أطلق عليه ( مغالطة المدرس ) 0

5ـ من التصورات الخاطئة ، إحساس الفرد بأنه مهم ، ومن ثم ينمو لديه هذا المفهوم نتيجة المبالغة الزائدة في الأهمية الذاتية فيما يسمى بــ ( عقدة العظمة ، أو العجب ــ الغطرسة ) 0

ويكون الفرد مشغولا باستمرار حول هذا الإحساس ، والذي تشبع به ، ويسعى لكي يعترف الآخرون بتلك الأهمية 0 فإذا لم يتحقق له ذلك بدأ في محاولات الدفاع عنه بشكل فظ 0 فإن لم تنجح نتج لديه مشكلات نفسية خطيرة 0

6ـ فيما يتعلق بحالات الاكتئاب والوسواس وغيرها ، فإن ( ريمي ) يرى أن سبب ذلك يعود لعدد من التصورات الخاطئة عند الفرد 0



• تصور النظرية للنفس البشرية :

هذه النظرية تقع داخل إطار الاتجاه الإنساني ، فهي تنظر إلى الإنسان على أنه خيّر ، وأنه قادر على أن يحقق حالة التوافق والسواء مع نفسه ، ومع الآخرين ، ومع العالم من حوله 0 وهذا يكون من خلال تصحيح معتقداته ، وقناعاته الشخصية 0 وقد ركزت هذه النظرية على بعض الجوانب المهمة في الشخصية ، وخاصة ما يتعلق بالمفهوم الخاطئ لدى الكثير من الناس حول إحساس الشخص بأنه مهم ، وهذا التصور قد ينمو مع الفرد منذ الصغر ، ويتعلمه ويدافع عنه ، فإن لم يتحقق له ذلك انبرى على ذاته وتولد لديه حالات من عدم التواضع ، وهذا يشاهد ويلاحظ لدى الكثير من الناس 0

إن العلاج المناسب وخاصة في وطننا العربي ، هو العلاج المعرفي ، وذلك لتميزه بكون المعالج هو محور العلاج 0 وهذا يتوافق مع طبيعة التربية المحلية 0

وقد أشار ( الجلبي ، واليحيا ، 1416) بقولهما : " إن العلاج المعرفي يعد من أكثر أساليب العلاج النفسية ملاءمة لمجتمعنا وطبيعة المريض عندنا 0 فالمعالج هنا هو الذي يعطي إرشاداته إلى المريض ، وهو الذي يدير الجلسة ، ويعطي النصائح 0 وهذا يتناسب مع طبيعة المجتمع العربي الأبوي ، الذي ينظر إلى المعالج بمنظار المعلم أو الأب 0 وقد تم تجريب العلاج المعرفي بالفعل في المملكة العربية السعودية ، وأجريت دراسة نظامية حول تطبيق هذا العلاج في المنطقة الشرقية ، وبينت نجاحها ، وقدمت هذه الدراسة في إحدى الندوات الطبية النفسية في الظهران عام 1984 0

ويمكن أن يضاف إلى ذلك ، أننا نستطيع بواسطة العلاج المعرفي أن نذكر الفرد ببعض الآيات القرآنية المفسرة والموضحة لما يعاني منه الكثير من تصورات خاطئة ، وذلك لتصحيح المواقف الذهنية ، والتصورات الخاطئة 0 ويستعين المعالج بما ثبت من أحاديث شريفة عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام 0 وكذلك بما يحمله التراث العربي من قصص شعبية ، وحكم دارجة 0 ومن الآيات الكريمة التي يمكن الاستشهاد بها ، قوله تعالى : { ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور } ( لقمان : 18 ) 0

• وجهة نظر وتعقيب حول النظرية :

يذكر ( باترسون ، 1986) أن نظرية ( ريمي ) أنها نظرية ملائمة أكثر من غيرها ، وذلك لأنها:

1ـ تعطي اهتماما أكثر للأساس النظري 0

2ـ تقدم بطريقة نسقية ومتكاملة مع مفهوم مجموعات التصورات الخاطئة ، وتنظيمها للأساليب الفنية للعلاج 0

3ـ تعطي حصرا ممتازا للجوانب المعرفية للنظريات الرئيسية الأخرى ، مما ينتج عنه طريقة انتقائية ( توفيقية ) 0

4ـ تتعامل مع مشكلة العلاقة بين الجوانب الوجدانية ، والجوانب المعرفية ، رغم أن ذلك ليس كافيا تماما 0

ورغم ذلك فإن بث المبادئ والقيم في النفس البشرية ، مهمة شاقة ومتعبة ، وفيها الشيء الكثير ، وتحتاج إلى ثقافة ودراية بخبايا النفوس 0 فهي تهدف إلى تغيير قناعات ومعتقدات قد وصل إليها الفكر الإنساني واستنتجها عبر سنوات من الأفكار والتجارب ، والمواقف والقراءات ، حتى رسخ وتشكل لدى الفرد وجهة نظر خاصة تجاه الأشياء من حوله والآخرين ، عبر استنتاجات يعتقدها ويتمسك بها ، بل قد يجاهد من أجلها ، وهي في الأخير أفكار أو معتقدات وصل إليها واستراح عندها 0 وهذه القيم سواء كانت صحيحة أو خاطئة تختلف من شخص لآخر في الدرجة والنوع معا 0

ولهذا كان تعديل النفوس أصعب بكثير مما يتصوره البعض 0 وعملية التغيير أو الإقناع ، أو تغيير المعتقدات لدى الأفراد مهمة لا يتمكن منها إلا النادر من الناس 0 ومن ثم فإن من يحاول أن يكون مصلحا أو مرشدا ، أو معالجا نفسيا ، فعليه أن يتزود بالعلم أولا ، ثم بالطرق السلمية التي تعتمد على المنطق والإقناع 0

ولذلك قيل عن التربية : " إنها مهمة صعبة ، من لا يحسنها يعكسها ، لتصبح ، قلقا ، وخوفا وحذرا ، بلا فائدة " 0

هناك تعليق واحد: